نجاح جديد في مسار تعميم التعليم الأولي بمكناس
في مشهدٍ إنساني مؤثر، شهدت وحدة التعليم الأولي أولاد النصير التابعة لجماعة المغاصيين بإقليم مكناس، صباح يوم الإثنين، التحاق أطفال دوار نزالة الرداية بمقاعد الدراسة لأول مرة بعد سنوات من الحرمان من التمدرس.
الحدث لم يكن عابرًا، بل يمثل خطوة نوعية في مسار تنزيل المشروع الملكي لتعميم وتطوير التعليم الأولي، الذي يهدف إلى جعل التربية في السنوات الأولى حقًا مكفولًا لكل طفل مغربي، مهما كان موقعه الجغرافي أو وضعه الاجتماعي.

🔹 تعبئة جماعية لإدماج أطفال الهامش في العرض التربوي
هذه المبادرة جاءت ثمرة تعاون وثيق بين عمالة مكناس والمؤسسة المغربية للتعليم الأولي والمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بمكناس، بعد أن كشفت المواكبة الميدانية التي يقوم بها المشرفات والمشرفين بالمؤسسة المغربية للتعليم الأولي عن وجود عدد من الأطفال القرويين خارج العرض التربوي المتاح.
وفي هذا السياق، أوضحت سعيدة خاما، المسؤولة الإقليمية للتعليم الأولي بمكناس، أن المؤسسة بادرت إلى رفع مقترح لعامل الإقليم، من أجل تمكين هؤلاء الأطفال من حقهم الدستوري في التعليم، عبر إلحاقهم بأقرب وحدة تربوية مؤهلة.
وأضافت أن هذه العملية تدخل ضمن رؤية شمولية تروم ضمان تكافؤ الفرص وتوسيع قاعدة المستفيدين، خاصة في المناطق النائية التي تعاني من ضعف البنيات التحتية وصعوبة التنقل.

🔹 تنسيق مؤسساتي لتجاوز الإكراهات الميدانية
لم يكن القرار سهلاً، فقد تطلب عقد لقاءات تشاورية موسعة جمعت المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، والسلطات المحلية، وممثلي الجماعات الترابية، وفيدرالية النقل المدرسي.
الغاية كانت واحدة: توفير شروط الولوج الآمن والميسر للتعليم الأولي عبر تمكين الأطفال من النقل المدرسي، وتكييف جداول الاستقبال مع ظروف الأسر القروية.

🔹 32 طفلًا يبدأون أولى خطوات الحلم
حسب تصريح عبد المالك عبد الحبيب، رئيس قسم العمل الاجتماعي بعمالة مكناس، فقد تم اختيار وحدة أولاد النصير نظراً لقربها من الدوار المعني وقلة التسجيلات بها، مما سمح باستقبال 32 طفلًا دفعة واحدة، في ظروف تربوية ملائمة.
كما قامت المنظمة المغربية للطفولة والشباب، بتنسيق مع السلطات المحلية، بإحصاء الأطفال المؤهلين للاستفادة من هذه المبادرة، مما أتاح حصر العدد بدقة وضمان تتبعهم بشكل منتظم.
وأكد عبد الحبيب أن هذه التجربة تشكل نموذجًا يُحتذى به في تفعيل مقاربة العدالة المجالية في التعليم، عبر تقريب المدرسة من الطفل وليس العكس.

🔹 جودة العرض التربوي ومجانية الخدمات
من جانبها، شددت سعيدة خاما على أن العرض التربوي المقدم يتميز بجودة عالية تشمل التأطير البيداغوجي، وتكوين المربين، وتجهيز الفضاءات التعليمية بما يلائم الفئة العمرية (4 إلى 6 سنوات).
وأضافت أن المؤسسة المغربية للتعليم الأولي تضمن مجانية تامة للخدمات المقدمة، سواء من حيث الاستفادة من النقل أو الوسائل التعليمية، انسجامًا مع روح المشروع الملكي الذي يضع الطفل في صلب العملية التربوية.

🔹 أجواء احتفالية وتأقلم تدريجي
من داخل قاعة الدرس، عبّر المربي مهدي ختاري عن سعادته بهذه التجربة، مؤكداً أن اليوم الأول من التمدرس كان مناسبة للاحتفال بالأطفال وتشجيعهم على الاندماج في بيئتهم الجديدة.
وأوضح أن الفريق التربوي يعمل على تهيئة الأطفال نفسيًا وتربويًا للانتقال التدريجي نحو التعلم، بدءًا من الاستئناس بالفضاء المدرسي والأنشطة الحسية الحركية، مرورًا بتعلم مبادئ العيش المشترك، وصولًا إلى اكتساب أولى المعارف.

🔹 التعليم الأولي.. استثمار في الإنسان ومستقبل الوطن
ما تحقق في دوار نزالة الرداية ليس مجرد حدث محلي، بل هو نموذج مصغر لرؤية وطنية كبرى تسعى إلى جعل التعليم الأولي حجر الزاوية في بناء الإنسان المغربي الجديد.
فالمعطيات التربوية الحديثة تؤكد أن الاستثمار في التعليم قبل سن التمدرس ينعكس إيجابًا على المسار الدراسي اللاحق للطفل، ويقلل من نسب الهدر المدرسي ويعزز كفاياته الاجتماعية واللغوية والمعرفية.
إن تعميم التعليم الأولي في الوسط القروي لا يعني فقط توفير حجرات جديدة، بل يتطلب أيضًا تكوينًا مستمرًا للمربين، وتحسين ظروف العمل، وإشراك الأسر والمجتمع المدني في مواكبة الطفل منذ سنواته الأولى.
ففي كل ابتسامة لطفل يلتحق بالمدرسة، تولد بارقة أمل في مغربٍ متوازنٍ يسوده الإنصاف وتكافؤ الفرص، ويؤمن بأن التعليم في بدايته هو بداية التنمية الحقيقية.
✍️ إعداد: فؤاد لحليمي
📍 موقع التعليم الأولي – المغرب
🗓️ أكتوبر 2025
اترك رد