التعليم الأولي بين التحولات العالمية والرهانات الوطنية

1 42

مقدمة:

يشهد التعليم الأولي في السنوات الأخيرة طفرة نوعية على المستويين الوطني والعالمي، إذ أصبح يُنظر إليه باعتباره المرحلة التأسيسية لبناء شخصية الطفل وتنمية قدراته المتعددة، وركيزة أساسية في تحقيق تعلم مدى الحياة.
وفي ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم، تتجه الأنظمة التربوية نحو تطوير مقاربات جديدة تُعلي من شأن التعلم النشط، والبيئة التفاعلية، والتربية الشمولية التي توازن بين المعارف والمهارات والقيم.


1. الاتجاهات العالمية الحديثة في التعليم الأولي

أ. التعلم المبكر للغات

تشير الدراسات الحديثة إلى أن تعريض الأطفال للغات متعددة منذ سن مبكرة يُسهم في توسيع مداركهم وتنمية ذكائهم اللغوي والاجتماعي، ويُعزز قدرتهم على التواصل والتفكير الإبداعي.
وفي السياق المغربي، ينسجم هذا التوجه مع مقتضيات المنهاج الوطني للتعليم الأولي الذي يدعو إلى الانفتاح اللغوي المتدرج، باعتماد اللغة العربية أساسًا، إلى جانب الأمازيغية واللغات الأجنبية في مراحل لاحقة.

ب. التكنولوجيا في خدمة التعلم المبكر

تُعد الوسائط الرقمية والتطبيقات التعليمية التفاعلية من أبرز أدوات التعليم المعاصر، لما توفره من بيئات تعلم مشوقة ومحفزة للأطفال. ومع ذلك، يظل الاستخدام الرشيد للتكنولوجيا أمرًا جوهريًا، حتى لا تطغى على التفاعل الإنساني الذي يُعد جوهر العملية التربوية في هذه المرحلة.

ج. التركيز على المهارات الحياتية

أصبح الاهتمام لا ينصب فقط على المعارف الأكاديمية، بل يشمل أيضًا تنمية المهارات الحياتية كالاستقلالية، والتواصل، والتعاون، وحل المشكلات. فالطفل اليوم يحتاج إلى تعلّم كيف يفكر ويعيش ويبدع، وليس فقط كيف يحفظ أو يقلّد.

د. البيئة التعليمية الجذابة

تشكل البيئة الصفية المنظمة والمحفزة عاملًا حاسمًا في جودة التعلم. إذ ينبغي أن تكون الفضاءات التعليمية آمنة، نظيفة، ومفعمة بالألوان والوسائل التعليمية التي تدعم الاستكشاف والتجريب واللعب الموجه، بما يتماشى مع فلسفة المنهاج المغربي القائم على التعلم باللعب.

هـ. إشراك الأسرة في العملية التربوية

أثبتت التجارب الدولية أن انخراط الأسرة في التعلم المبكر يُحدث فارقًا كبيرًا في نمو الطفل واندماجه المدرسي. لذا، أصبح التعاون بين المربية والأسرة أحد أسس نجاح التعليم الأولي، من خلال التواصل المنتظم، والمواكبة المنزلية، وتقاسم الأدوار التربوية.


2. تحديات قائمة أمام التعليم الأولي

رغم الجهود المبذولة وطنياً ودولياً، ما زال التعليم الأولي يواجه مجموعة من التحديات، منها:

  • جودة الخدمات التربوية: لا تزال بعض المؤسسات، خاصة في المناطق القروية، تعاني من خصاص في التجهيزات والموارد الديداكتيكية.
  • تكوين المربيات والمربين: يمثل التأهيل التربوي حجر الزاوية في تجويد التعلمات، إذ يحتاج المربون إلى تكوين مستمر يواكب مستجدات البيداغوجيا الحديثة.
  • الإنصاف في الولوج: ما زال العديد من الأطفال، خصوصًا في العالم القروي، محرومين من الاستفادة من التعليم الأولي الجيد، مما يطرح تحديًا أمام تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص.

3. دعم تعلم الطفل داخل الأسرة

إن الأسرة شريك أساسي في تعزيز مكتسبات الطفل في التعليم الأولي، ويمكنها المساهمة من خلال:

  • قراءة القصص: القراءة اليومية للطفل توسّع خياله وتنمي قدراته اللغوية.
  • اللعب التعليمي: اللعب وسيلة فعالة لاكتساب المفاهيم بطريقة ممتعة.
  • الأنشطة الحسية الحركية: الحركة تُنمّي التناسق الجسدي وتُعزز التوازن النفسي.
  • التواصل الدائم: الحوار مع الطفل ومشاركته اهتماماته اليومية يقوّي شخصيته ويُغني رصيده العاطفي.
  • الدعم العاطفي: يحتاج الطفل قبل كل شيء إلى الإحساس بالأمان والقبول، فذلك هو الأساس الذي تُبنى عليه جميع التعلمات.

4. نحو رؤية مغربية متجددة للتعليم الأولي

إن الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم بالمغرب (2015–2030) تؤكد على ضرورة تعميم تعليم أولي ذي جودة، منصف ومندمج، يراعي خصوصيات الطفل المغربي، ويؤهله للاندماج السلس في التعليم الابتدائي.
وتسعى وزارة التربية الوطنية، من خلال المنهاج الوطني للتعليم الأولي (2019)، إلى ترسيخ مبادئ التعلم باللعب، والتربية على القيم، والانفتاح على المحيط الاجتماعي والثقافي.


خاتمة

يبقى التعليم الأولي أول لبنة في بناء المواطن المغربي المتوازن والمبدع. فكل استثمار في هذه المرحلة هو استثمار في المستقبل، في الإنسان قبل أي شيء.
إن نجاح الإصلاحات التربوية رهين بتضافر جهود جميع الفاعلين: الأسرة، المربية، المجتمع المدني، والمؤسسات التربوية، من أجل تربية مبكرة ذات جودة، تضع الطفل في صلب العملية التعليمية.

✍️ إعداد: كريم مبتسم
📍 الموقع: بوابة التعليم الأولي المغربية – Pre-Scolaire.com
📅 تاريخ النشر: 3 مارس 2021

اترك رد

اترك رد

Review Your Cart
0
Add Coupon Code
Subtotal

 

Notice: ob_end_flush(): Failed to send buffer of zlib output compression (0) in /home/prescola/public_html/wp-includes/functions.php on line 5471